ارض بما قسم الله لك
تكن أغنى الناس
د . عائض القرني
عليك أن تقنع بما قسم الله لك من جسم ومال وولد وسكن
وموهبة , وهذا منطق القرآن .
{ فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين } .
إن غالب علماء السلف وأكثر الجيل الأول كانوا فقراء لم
يكن لديهم أعطيات ولا مساكن بهية , ولا مراكب , ولا
حشم , ومع ذلك أثروا الحياة وأسعدوا أنفسهم والإنسانية
لأنهم وجهوا ما آتاهم الله من خير في سبيله الصحيح
فبورك لهم في أعمارهم وأوقاتهم ومواهبهم , ويقابل هذا
الصنف المبارك ملأ أعطوا من الأموال والأولاد والنعم
فكانت سبب شقائهم وتعاستهم , لأنهم انحرفوا عنالفطرة
السوية والمنهج الحق وهذا برهان ساطع على أن الأشياء
ليست كل شيء , انظر إلى من حمل شهادات عالمية لكنه
نكرة من النكرات في عطائه وفهمه وأثره بينما آخرون
عندهم علم محدود , وقد جعلوا منه نهرا دافقا بالنفع
والإصلاح والعمار .
إن كنت تريد السعادة فارض بصورتك التي ركبك الله فيها
وارض بوضعك الأسري , وصوتك , ومستوى فهمك ,
ودخلك , بل إن بعض المربين الزهاد يذهبون إلى أبعد من
ذلك فيقولون لك : ارض بأقل مما أنت فيه ودون ما أنت
عليه .
هاك قائمة رائعة مليئة باللامعين الذين بخسوا حظوظهم
الدنيوية :
عطاء بن رباح عالم الدنيا في عهده , مولى أسود أفطس
أشل مفلفل الشعر .
الأحنف بن قيس , حليم العرب قاطبة , نحيف الجسم
أحدب الظهر , أحنى الساقين , ضعيف البنية ,
الأعمش محدث الدنيا , من الموالي , ضعيف البصر , فقير
ذات اليد ممزق الثياب , رث الهيئة والمنزل .
بل الأنبياء الكرام صلوات الله وسلامه عليهم , كل منهم
رعى الغنم , وكان داود حدادا , وزكريا نجارا , وإدريس
خياطا , وهم صفوة الناس وخير البشر .
إذا فقيمتك مواهبك , وعملك وعملك الصالح , ونفعك
وخلقك , فلا تأس على ما فات من جمال أو مال أو عيال
وارض بقسمة الله .
{ نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا } .